تنمية بشرية

زهرة الخشخاش

زهرة الخشخاش

زهرة الخشخاش

قبل أربعة أعوام قرأت كتاب “خمسة أنواع من الخلل تهدد فرق العمل” الذي لخصناه في العدد 327 من (خلاصات)، وكان من بين السلوكيات التي تضر بالقائد أن يتنصل من المسؤولية عندما يرتكب أحد مساعديه خطأ ما. ولهذا فإن خسارة مصر من سرقة لوحة “زهرة الخشخاش” للفنان العالمي “فان جوخ” تتجاوز قيمتها المادية التي قدرت جزافًا بـ 55 مليون دولار.

الخسارة الأولى لمصر هي سقوط صورة الفنان “فاروق حسني” وزير الثقافة الذي حقق إنجازات متتابعة كادت توصله إلى قيادة اليونسكو. وفي تقديري أن الوزير خسر اليونسكو لأنه لم يكن شفافًا وقائدًا عظيمًا. فرغم أنه فنان تشكيلي وعاشق للآثار، وأدار مشروع بناء المتحف المصري الحديث، فلم يحافظ على واحدة من أعظم الأعمال الفنية الكلاسيكية في العالم.

عندما يتخلى وزير عن وكيل وزارته فإنه يرسل رسالة ملطخة بريشة سوداء، وهي رسالة سيقرؤها معاونوه ومحبوه ومؤداها أنه لن يتحمل نتائج أعمالهم، وأن على كل منهم أن يحمي نفسه إذا ما وقعت الأزمات واحتدمت الملمات. فهو يتنصل من مسؤولياته لأنه فوض بعض صلاحياته؛ رغم أن ألف باء التفويض تقول بأن الوزير مثله مثل المدير، عليه تفويض صلاحياته دون أن يتخلى عن مسؤولياته. فهو مسؤول عن كل ما يفعله معاونوه من قمة الهرم الإداري حتى أدنى مرتبة يتقلدها موظف صغير في أبعد نقطة عن مركز وزارته.

الحقيقة أن تنصل الوزير من مسؤولياته يلقي حمل المسؤولية مباشرة على رئيسه، أي على رئيس الوزراء، وإذا ما رفض الوزير المثول بشفافية أمام أجهزة المساءلة، فعلى رئيسه أن يأمره بذلك أو يبادر هو إلى تحمل المسؤولية ومساءلة نفسه. فالمؤسسات التي تتحاشى المساءلة تفقد الثقة، وترسخ المعايير المزدوجة في القيادة، وينخفض أداؤها، وتفقد معنى وجودها لأنها تتخلى عن رسالتها، فتفقد احترام المجتمع لها.

تعتبر المساءلة واحدة من أصعب التحديات التي تواجه القادة. فالقائد القوي يعتبر نفسه المصدر الوحيد لوضع القواعد وتطبيقها ومحاسبة من يجرؤ على خرقها، فتكون النتيجة أن يبدأ بمحاسبة نفسه قبل أن يحاسب الآخرين، وقبل أن يحاسبه الآخرون. القادة الذين لا يهتمون بالحوكمة والمساءلة، يشتتون المسؤولية فيلزمون أنفسهم – دون غيرهم – بتحمل نتائج وتبعات أخطائهم وأخطاء مرؤوسيهم. حتى لو كانت الحسنة تخص فيأخذها الوزير لنفسه، والسيئة تعم فيوزعها على معاونيه، فإن المسؤولية تبقى مشتركة. بمعنى أن السيئة يجب أن تعم الجميع من قمة الهرم إلى قاعدته.

ربما تعود “زهرة الخشخاش” إلى مكانها الطبيعي على أحد جدران متحف “محمود خليل” يومًا ما، لكن صورة الوزير الجدير بمنصبه لن تعود أبدًا ما لم يتواضع الوزير ويعترف بالتقصير.

نسيم الصمادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى